مقالات واراء

الربيع العبري وفساد الامه

احجز مساحتك الاعلانية

بقلم:هاني رشاد

لم أستطع أن أرد رغبة جاشت في نفسي بعد أن تدهورت العلاقات والأخلاق بين أفراد المجتمع الواحد في عالم يبلغ فيه كل إنسان منتهى القوى التي لا يحدها حد إلا من إرادته، لكي تؤدي هذه الحالة في التساوي بين الأخلاق وقوى الأفراد المطلقة إلى الخلاف والصراع، فالخلافات لا تنتهي، لكن التفاهم والتعاون والتوافق يؤدي إلى سلام دائم، كي يتحاب الفرقاء والمختلفين أبناء الوطن الواحد.

أتحدى من يقول: أن الربيع جاء لكي يخدم ويصلح من شأن بلادنا وأمتنا العربية، فإذا جاء من أجل ذلك، أين الإصلاح حتى الآن؟ فلقد بث الربيع العربي سمومه في كل أركان البلاد العربية مخرباً لأركان الدول وسياستها وشعوبها، أصطحب الشرور والمساوئ والمفاسد والمظالم في كل المجتمعات، فقد نهب واغتصب ونشر العلاقات السيئة بين أفراد المجتمع، بل الأمة بالنفوس التي تجيش بالحقد وتغلي بالتذمر والثورة وعاش الناس محطمين في مهاوى اليأس، انتشرت الجريمة وازدهر العنف والاحتجاجات والمطالب الفئوية وكاد الناس يتعاملون إلا سباً وقذفاً ولا يتحادثون إلا صياحاً.

عندما تصل الأوضاع إلى حالة من الإنسداد والإنحباس يستحيل معها استمرارها واستقرارها، فهذا ينتج وعياً جماهيرياً حاداً للتغيير، والتطلع للكرامة، وشوقاً للحرية، لكن هذا التغيير جاء معقداً وغير محسوم ومساره كان مظلم، فلقد جاء هذا الربيع العربي مخرباً وليس هدفه الإصلاح، والدليل والرؤيا واضحة أمام الأعين.. خرب البلدان مثل سوريا وتونس والعراق واليمن وليبيا وغيرها من البلدان العربية، لقد عرقل كل أساليب الإصلاح والتنمية، وها نحن نعاني جميعاً من إعادة البناء والتشييد والإصلاح في كل مؤسسات الدولة.

لقد شجع الربيع العربي على الانفصام والإنفصال بين الدولة والمجتمع… نعم لقد عبر المجتمع عن نبله ورقيه وكرامته، بل اندس فيها هذا الثائر الربيع العربي المخرب لنفسه ومن طاقاته المتفجرة في موقف حاشد وموحد ومتألق، إنسانياً ووجدانياً وحضارياً، لكنه عكس كل هذه الظواهر بعد ذلك إلى لحظات انتقالية وما يتبعها من إكراهات إعادة بناء الدولة. فأصبح هناك صراع حاد بين قوى المجتمع الواحد بعد ارتداء كل تيار وجماعة عباءته الحزبية والإيديولوجية، مما أنعش القيم السلبية في المجتمع، بل أعاده إلى نقطة الصفر، بحيث انتشرت الإشاعات المغرضة والفوضى والتخريب والترهيب والإرهاب والاحتجاجات وشاع الكذب السياسي والفتنة وانتعش منطق تبادل التهم ومصادرة الاستقطاب والاختناق والفوضى واللجوء إلى لغة التخوين والتخويف والإرهاب والتخريب… هذا هو ناتج الربيع العربي الذي أتى ليخرب ولم يصلح حتى الآن.

للأسف الشديد جاء هذا الربيع مصحوباً برؤية ضبابية، وأعوجاجاً في كل أركان الدول مفككاً كل النظم والأنظمة ليس للإصلاح مستخدماً آفة الاستبداد والذي أصبح غولاً لاستحواذ على كل مقدرات الأمة ومؤسساتها واحتكر كل فعاليات المجتمع المدني باستخدام أدوات التسلط السياسي والعنف وتوظيف الطاقات والرموز والتعبيرات لخدمة النسق الاستبدادي، وقتل الزعماء العرب وعزل بعضهم.. نعم كان يوجد فساد ومازال، لكن لا يصل الحد إلى هذه النتيجة. خراب وبطالة وفقر وتدهم أبنية بدلاً من أن تتصاعد، وتشريد العائلات والأطفال والنساء والشيوخ، فماذا قدم لنا هذا الربيع من إصلاحات داخل المجتمعات؟

بلا شك لقد تبنت بعض الدول (وهي معروفة) هذا الربيع المخرب صاحب الأعطاب، لكي يقسم الدول ويهدم الأنظمة، ونشر النزاع والصدام بين أفراد المجتمع الواحد. فك الارتباط بين واقع الأنظمة السياسية وهدم الأخلاق، وللأسف لقد انصاعت بعض الجماعات والأفراد إلى هذه الدول فخربت، ولكن انكشف أمرهم الآن وجاءت رؤوساء يعرفون ويقدروون مطالب الشعوب ويسيرون على الطريق الصحيح الآن على أمل النهوض بالوطن والأوطان واستعادة نهضة الأمة من أجل إنجاز حضاري واعد ورائد.

ليتنا نغوص في المساواة التي لا تقف عند حد إحلال السلام محل الخصام، بل نذهب بعيداً إلى ما وراء ذلك، نذهب إلى التعاون والتوافق والترابط بيننا بصورة تحقق نموذجية في الإنسان الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة.

Related Articles

Back to top button